الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة «الأجساد الجديدة» في السينما التونسية: بين الافتراضية والنظرة الاجتماعية وسجن الكاميرا

نشر في  14 مارس 2017  (14:20)

حول موضوع «الأجساد الجديدة» في السينما التونسية والأخلاقيات، انتظم يوم السبت 11 مارس لقاء جمع كل من السينمائيين والنقاد إقبال زليلة ومنير بعزيز وفتحي الدغري بتعديل من المختص في الفلسفة والجماليات عدنان الجدي.
في مستهل اللقاء الذي انتظم بمبادرة من جامعة نوادي السينما على هامش تظاهرة "سينما السلام؟"، وضّح عدنان الجدي الخيط الرابط للجلسة متوجها للضيوف بالسؤال الآتي: هل هناك أجساد جديدة في السينما التونسية لم نشاهدها من قبل وتقاس بنفس قياس التغيير الذي عرفه الانتاج السينمائي التونسي بعد الثورة.
في افتراضية الجسد
اعتبر الناقد والأستاذ إقبال زليلة الذي تطرق في مداخلته بشكل خاص إلى جنس السينما الوثائقية، أنّه يمكن الحديث عن تمثلات الجسد (les représentations du corps) أكثر من الجسد نفسه لأنّ هذا الأخير افتراضي (Le corps est une virtualité) مضيفا أنّه لا يؤمن بأسطورة الموضوعية.. وقسّم زليلة بين السينما الوثائقية المباشرة (Le cinéma direct التي تكتفي بتسجيل الأحداث، والسينما الملاحظتية (Le cinéma d'observation) التي تتحول فيها الأشخاص إلى شخصيات، وهناك نوع من التحكم في الأجساد من قبل المخرج ثمّ هناك المونتاج الذي يقدم هو أيضا تمثلا آخر للجسد.

الكلمة بين الكاميرا المنبر والكاميرا السجن

وقال زليلة إنّ التعاطي مع الجسد في الأفلام الوثائقية يطرح إشكاليات في علاقة بالأخلاقيات ويتطلب التفكير حول أهمية الكلمة وطريقة تصوير الأجساد مُبيّنا في الوقت نفسه أنّ الكاميرا يمكن أن تكون منبرا تؤخذ من خلاله الكلمة كما يمكن أن تشكل سجنا.

من جهة أخرى، لاحظ زليلة أنّ هناك في السينما الوثائقية ميل «مقلق» لاعتماد الحوار الكلاسيكي الذي يقترب من القالب التلفزي، كما هناك نوع من «العنف» عندما يُقتطع الجسد من الصورة ليظهر الوجه وحده ناطقا بالكلمة في حين أنّ هناك تردد الجسد والفضاء التي يتحرك فيه.. كما أضاف المتحدث أنّ هناك «منحى خطير» لإعطاء قيمة أكبر للكلمة مقابل تهميش الجسد، ولذا يجب إيلاء مسألة كتابة السيناريو الأهمية التي تستحقها.

وقال زليلة إن الكتابة ليست الحل الوحيد الوثائقي وأنّه يجب الحذر عندما يتم تصوير المهمشين والضعفاء لأنّ الكاميرا بمثابة السلاح وأنّه لا يمكن للمخرج أن يعالج مثل هذه المواضيع كالهاوي وأنّه على الوثائقي الذي يحمل نفسا ابداعيا وأن يكسر القوالب وأن لا يكتفي بتسجيل مجرد حوارات بالمعنى التلفزي.
وبخصوص المخرجين الذين حملوا الكاميرا بطريقة استعجالية، قال زليلة إنّه لا يرغب في تقديم أحكام قيمية عليهم بل إنّ الأمر يتطلب التفكير خاصة أنّ السينما الوثائقية التونسية حاولت ملاقاة الجسد الاجتماعي التونسي (la masse) الذي خرج للشارع للتعبير عن رغباته.
ومن الأفلام الذي ضرب بها أمثلة لتجسيد أفكاره، ذكر زليلة فيلم «فلاقة» لرفيق عمري والذي تظهر فيه أجساد حاملة للكلمة، و«بابيلون» لعلاء الدين سليم وإسماعيل وعلاء الشابي الذي صوّر المجموعة، و«هيتشو اين كازا» لبلحسن حندوس الذي كشف نفسه (une mise à nue) و«عنا وجه ربي» لبهرام علوي وهو بمثابة البورتريه الشخصي مع نفس شعري و«1881» لطارق ابراهيم الذي جعل من الجسد منصة وحمالا للتاريخ.

الجسد في قبضة النظرة الاجتماعية
من جهته اعتبر السينمائي منير بعزيز أنّ الأفلام الوثائقية الروائية، أفلام روائية لأنّ الشبه الواقعي (Le pseudo-réel) لا يمكن أن يكون موضوعيا. واستحضر بعزيز تجربته السينمائية من خلال 3 أفلام شارك في إنجازها وهي «صفائح من ذهب» و«ريح السد» لنوري بوزيد و«صمت القصور» لمفيدة التلاتلي.
وكشف بعزيز أنّه كان من الصعب العثور على ممثل يقبل بتقمص دور المثلي وقد اهتم بعزيز مع نوري بوزيد بإعداد الممثل في هذا الاتجاه غير أنّ «النظرة الاجتماعية» كانت وازنة بالنسبة له مما دفعه الى مغادرة المهنة. وقال بعزيز إنّ الجمهور هو الذي صنع من مشاهد الحمام مشكلا وأن عدّة ممثلين لاقوا مشاكل لأنّه كان هناك نوع اللبس بين الأدوار والأشخاص.
وتساءل بعزيز إن كانت هذه الأفلام الثلاثة ساهمت في خلق تيار سينمائي أكثر حريةّ، وأجاب بالنفي لكنه قال إنّه لم يلاحظ حاليا شجاعة سينمائية في علاقة بالجسد بل إنّنا نعيش حالة من التقهقر وأنّ الطريق مازال طويلا. واعتبر بعزيز أنّه يجب إعادة الاعتبار للكتابة وفن السيناريو حتى بالنسبة للفيلم الوثائقي.

اللّب في التفكير السينمائي

من جهته، اعتبر فتحي الدغري أنّ أفلاما مثل «خليفة لقرع» و«سجنان» و«غدا» احتفظت على بريقها بفضل جودة آداء الممثلين مضيفا أنّ السينما التونسية كانت تعيش ديناميكية مقارنة بالتراجع الذي تعرفه اليوم.. وأكدّ الدغري على أهمية وجهة النظر (Le point de vue) مستحضرا مثال المخرجة كوثر بن هنية وفيلمها «الشلاط» الذي قال إنه فيلم حول التلاعب (Un film sur la manipulation).

وحول أولوية السيناريو أو الصورة السينمائية، قال فتحي الدغري إنّ اللّب بالنسبة لأي فيلم لا يكمن في أولوية السيناريو على الصورة أو العكس بل في التفكير السينمائي (La pensée cinématographique).

شيراز بن مراد